.. وتظهر مخاوف ومعارضات أوروبية كثيرة تجاه المحاصيل المعدَّلة وراثيًّا، رغم أنها في الغالب مخاوف من سلامة الأغذية، ومن الهواجس بشأن تأثير الزراعة واسعة النطاق على صغار المزارعين، وإمكانية تحوُّل شركات التكنولوجيا الحيوية إلى شركات محتكرة. يساوي الناس في الواقع بين الهندسة الوراثية وجميع التقنيات الحيوية، حيث يصنِّفون الباقة الواسعة من الأساليب المتقدِّمة التي تخلو من التعديل الوراثي المستخدَمة في تحسين المحاصيل، مثل زراعة الأنسجة، والانتقاء باستخدام المحددات الوراثية (marker-assisted breeding) ضمن الفئة «غير المقبولة». ويمكن لهذه الأساليب ـ في الغالب ـ مساعدة الزراعة التقليدية6. إنّ البدء بالجدل العاطفي حول أساليب وتقنيات التعديل الوراثي معناه أنْ ننظر عبر الطرف الخطأ من التليسكوب. ويجدر بصناع القرار في الدول النامية ـ بدلًا من ذلك ـ البدء بالمشكلة، واتخاذ القرارات بشأن التوازن بين مزايا وعيوب الحلول المختلفة في إطار بيئاتهم المحلية، مستعينين بتشريعات السلامة البيولوجية.

ليس من المنطق المبالَغة في التأثر بالمخاوف من المنظور الأوروبي عند اتخاذ القرارات الخاصة بالمحاصيل المعدَّلة الوراثية في ظل انتشار كارثتي الجوع وسوء التغذية، اللتين يعاني منهما الناس في أفريقيا وآسيا، بالإضافة إلى كون نسبة عالية من السكان في القارتين باتت تعتمد على الزراعة في كسب قوتها ومعيشتها. وتقدِّر الأمم المتحدة أنه بنهاية القرن الحالي سيعيش أقل من %10 من سكان العالم في أوروبا. وحيث إنّ الإنتاجية الأعلى للمحاصيل المعدَّلة وراثيًّا لا تشكِّل ميزة كبيرة في أوروبا، ربما تتفوق نسبة المخاطر (رغم أنها نظرية إلى حد كبير، وفي بعض الأحوال غير منطقية) في التحليل الخاص برصد المزايا والمخاطر. وجدير بالذكر أنه حين تكون تكنولوجيا التعديل الوراثي أساسية للمنتجات التي تفتقر إليها أوروبا ـ ومنها بعض الأدوية ـ تصبح المخاوف المثارة أقل.

إنّ الهندسة الوراثية ليست أساسية أو حتى مفيدة لكل تحسينات المحاصيل، ولكنها في بعض الحالات تساعد على تحسين الإنتاجية وقيمة التغذية، وتقلل من المخاطر والتكلفة المرتبطة بالمبالغة في استخدام الأسمدة، والمبيدات، والمياه. واستبعاد أي تكنولوجيا تساعد الناس في الحصول على الغذاء الذي يحتاجونه والتخلص من سوء التغذية ينبغي أن يكون فقط لأسباب منطقية قوية، وفي ضوء الظروف المحلية.